فصل: العصمة في النّكاح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


عِصَابَة

التّعريف

1 - العصابة في اللّغة‏:‏ من العصب، وهو الطّيّ الشّديد، يقال‏:‏ عصب الشّيء يعصبه عصباً‏:‏ طواه ولواه، وقيل‏:‏ شدّه، والعصابة ما عصب به يقال‏:‏ عصب رأسه وعصبه‏:‏ شدّه، وتطلق على العمامة، والجماعة من النّاس، والخيل، والطّير‏.‏

أمّا في الاصطلاح فخصّ استعمالها عند الفقهاء في معنيين‏:‏

الأوّل‏:‏ العمامة، كما ورد في حديث ثوبان رضي الله عنه‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب «‏.‏

قال الخطّابيّ‏:‏ العصائب العمائم، سمّيت عصائب لأنّ الرّأس يعصب بها‏.‏

الثّاني‏:‏ ما يعصب به الجراحة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الجبيرة‏:‏

2 - الجبيرة لغةً‏:‏ العيدان الّتي تشدّ على العظم لتجبره على استواء، يقال‏:‏ جبرت اليد أي وضعت عليها الجبيرة‏.‏

واستعملها أكثر الفقهاء في نفس المعنى اللّغويّ، إلاّ أنّ المالكيّة فسّروا الجبيرة بالمعنى الأعمّ، حيث قالوا‏:‏ الجبيرة ما يداوي الجرح، سواء أكان أعواداً أم لزقةً أم غير ذلك‏.‏

الحكم الإجماليّ

أوّلاً‏:‏ العصابة بمعنى العمامة

ذكر الفقهاء أحكام العصابة بمعنى العمامة في مواضع، منها‏:‏

أ - المسح‏:‏

3 -ذهب الحنابلة والمالكيّة - على تفصيل عندهم - إلى جواز المسح على العمامة في الوضوء، لما روي عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ » توضّأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفّين والعمامة «‏.‏

ولأنّه حائل في محلّ ورد الشّرع بمسحه فجاز عليه كالخفّين، كما قال ابن قدامة، لكنّ المالكيّة قيّدوا الجواز بما إذا خيف على نزعها ضرر، أو شقّ نزعها‏.‏

أمّا الحنفيّة فلم يقولوا بجواز المسح على العمامة، بل قالوا ترفع ويمسح على الرّأس، وذلك لعدم الحرج في رفعها، والأمر في قوله تعالى وارد على مسح الرّأس، بخلاف المسح على الخفّ، لما في نزعه من الحرج فيجوز‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏عمامة، ومسح‏)‏‏.‏

ب - السّجود على كور العمامة‏:‏

4 - ذكر الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏:‏ أنّه يكره السّجود على كور عمامته، قال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ إلاّ لعذر، وإن صحّ بشرط كونه على جبهته، كلّها أو بعضها لا فوق الجبهة‏.‏ وذهب الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى عدم جواز السّجود على كور عمامته، ر‏:‏ ‏(‏سجود ف 7‏)‏‏.‏

وتفصيل أحكام العصابة بهذا المعنى ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏عمامة‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ العصابة بمعنى ما يعصب به

5 - ذهب الفقهاء إلى مشروعيّة المسح على ما يعصب به من اللّصوق، واللّزوق والجبائر في حالة العذر نيابةً عن الغسل أو التّيمّم‏.‏

وتفصيل أحكام العصابة بهذا المعنى ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جبيرة ف 4 وما بعدها‏)‏‏.‏

عصَبَة

التّعريف

1 - العصبة مأخوذ من العصب، وهو‏:‏ الطّيّ الشّديد، يقال‏:‏ عصب برأسه العمامة‏:‏ شدّها، ولفّها عليه‏.‏

وفي اللّغة‏:‏ اسم لأبناء الرّجل، وأقاربه لأبيه، قال الأزهريّ‏:‏ عصبة الرّجل‏:‏ أولياؤه الذّكور الّذين يرثونه، سمّوا عصبته، لأنّهم عصبوا بنسبه، فالأب طرف، والابن طرف، والأخ جانب، والعمّ جانب، ولمّا أحاطوا به سمّوا عصبةً، وكلّ شيء استدار على شيء فقد عصب به، ويطلق على الّذين يرثون الرّجل عن كلالة‏:‏ من غير والد، ولا ولد‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هم كلّ من لم يكن له سهم مقدّر من المجمع على توريثهم فيرث المال إن لم يكن معه ذو فرض، أو ما فضل بعد الفروض‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أصحاب الفروض‏:‏

2 - هم الّذين لهم نصيب مقدّر في كتاب اللّه‏.‏

ذوو الأرحام‏:‏

3 - هم كلّ قريب ليس بذي سهم، ولا عصبة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعصبة

تقديم العصبة في غسل الميّت والصّلاة عليه

4 - اختلف الفقهاء في مرتبة العصبة في التّقدّم في غسل الميّت والصّلاة عليه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏جنائز ف 4 وما بعدها‏)‏‏.‏

العصبة في ولاية النّكاح

5 - للعصبة - وهو العاصب بنفسه هنا - الولاية على أقاربه من النّساء فيزوّج بالعصوبة ويقدّم على السّلطان، ويقدّم الأقرب فالأقرب على ترتيب الإرث إن اجتمعوا، إلاّ أنّ الشّافعيّة قالوا‏:‏ إنّ الابن لا يزوّج بالبنوّة، لأنّه لا مشاركة بينه وبين أمّه في النّسب فلا يعتنى بدفع العار عنه، أمّا إذا كان ابن ابن عمّ زوّجها بالعصوبة النّسبيّة، وخالفهم في ذلك الأئمّة الثّلاثة‏:‏ فيزوّج الابن أمّه بالبنوّة عندهم بل يقدّم على الأب عند أبي حنيفة ومالك، وعند أحمد وأبي يوسف ومحمّد يقدّم الأب‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏ولاية النّكاح‏)‏‏.‏

حقّ العصبة في الحضانة

6 - إذا لم يوجد من تستحقّ الحضانة من النّساء، انتقل حقّ الحضانة إلى عصبة المحضون من الرّجال، على ترتيب الإرث، فيقدّم الأب، ثمّ الجدّ، ثمّ الأخ الشّقيق، ثمّ الأخ لأب، ثمّ سائر العصبات على هذا التّرتيب‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حضانة ف 10 وما بعدها‏)‏‏.‏

لزوم دية الخطأ وشبه العمد على العصبة

7 - تلزم دية الخطأ عاقلة الجاني ومنها عصبته من النّسب، فيقدّم الأقرب فالأقرب، واستثنى الشّافعيّة من ذلك الأصل والفرع، فلا يعقل الأصل ولا الفرع‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏ديات ف 76، وعاقلة‏)‏‏.‏

العصبة في الإرث

8 - العصبة في الإرث تنقسم إلى‏:‏

أ - عاصب بنفسه، وهو‏:‏ كلّ قريب للميّت من الذّكور لا تفصل بينه وبين الميّت أنثى كالابن وابن الابن‏.‏

ب - وعاصب بغيره، وهنّ البنات مع إخوتهنّ، وبنات الابن مع إخوتهنّ أو مع بني عمّهنّ، والأخوات لأبوين أو لأب مع إخوتهنّ، أو مع الجدّ، سواء انفردن أم تعدّدن في جميع ذلك، وتأخذ العصبة من الميراث ما أبقت الفرائض منه، وتحوز جميع المال إن انفردت‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث ف 45 - 50‏)‏‏.‏

ج - وعاصب مع غيره، وهنّ‏:‏ الأخوات لأبوين أو لأب مع البنت أو مع بنات الابن، سواء انفردن أم تعدّدن‏.‏

وتأخذ العصبة من الميراث ما أبقت الفرائض منه وتحوز جميع المال إن انفردت‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث ف 45 - 50‏)‏‏.‏

عَصَبيّة

التّعريف

1 - العصبيّة في اللّغة‏:‏ المحاماة، والمدافعة‏:‏ يقال‏:‏ تعصّبوا عليهم‏:‏ إذا تجمّعوا على فريق آخر، وفي الأثر‏:‏ ‏"‏ العصبيّ من يعين قومه على الظّلم ‏"‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الحميّة‏:‏

2 - الحميّة هي‏:‏ الأنفة والغيرة، ففي الأثر‏:‏ » الرّجل يقاتل حميّةً، ويقاتل شجاعةً، فأيّ ذلك في سبيل اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا، فهو في سبيل اللّه «‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعصبيّة

3 - العصبيّة‏:‏ بمعنى الدّعوة إلى نصرة العشيرة أو القبيلة على الظّلم حرام، فقد نهى القرآن الكريم عن التّعاون على الإثم والعدوان، وأمر بالتّعاون على البرّ والتّقوى فقال عزّ من قائل‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ‏}‏، وتظاهرت الأحاديث على النّهي عن العصبيّة بكلّ أشكالها وصورها‏:‏ العصبيّة للقبيلة أو للجنس أو للأرض، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ليس منّا من دعا إلى عصبيّة، وليس منّا من قاتل على عصبيّة «‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام في العصبيّة للقبيلة‏:‏ » دعوها فإنّها منتنة «‏.‏

وكانت العصبيّة للقبيلة ونصرتها ظالمةً كانت أو مظلومةً سائدةً في الجزيرة العربيّة قبل الإسلام، فأبطلها الإسلام، وحرّم العصبيّة، والتّناصر على الظّلم‏.‏

وقد جاء في الخبر عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل‏:‏ يا رسول اللّه أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ‏؟‏ فقال‏:‏ تحجزه أو تمنعه من الظّلم فإنّ ذلك نصره «‏.‏

وجعل المناصرة بين المؤمنين على الحقّ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ‏}‏‏.‏

وعدّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ميتة المتعصّب ميتةً جاهليّةً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهليّةً، ومن قاتل تحت راية عمّيّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبةً فقتل فقِتْلَةٌ جاهليّة «‏.‏

كما أبطل الإسلام التّفاخر بالآباء ومآثر الأجداد، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا، إنّما هم فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على اللّه من الجعل الّذي يدهده الخرء بأنفه، إنّ اللّه قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهليّة، إنّما هو مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، النّاس كلّهم بنو آدم وآدم خلق من تراب «‏.‏

وجعل الإسلام أساس التّفاضل التّقوى والعمل الصّالح‏.‏

وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ‏}‏‏.‏

بيّن اللّه في الآية الغاية من جعل النّاس شعوباً وقبائل، وهي التّعارف والتّعاون، لا التّناحر والخصام، فالعصبيّة بأشكالها للقبيلة أو للجنس أو للّون تتنافى مع الإسلام‏.‏

عَصْر

انظر‏:‏ صلاة العصر‏.‏

عُصْفُور

انظر‏:‏ أطعمة‏.‏

عِصْمَة

التّعريف

1 - العصمة في اللّغة‏:‏ مطلق المنع والحفظ، وعصمة اللّه عبده‏:‏ أن يمنعه ويحفظه ممّا يوبقه‏.‏

وتطلق العصمة على عقد النّكاح، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ‏}‏ أي‏:‏ بعقد نكاحهنّ‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ‏:‏ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعصمة

2 - تختلف الأحكام المتعلّقة بالعصمة باختلاف إطلاقها‏:‏

أ - العصمة‏:‏ بمعنى حفظ اللّه للمكلّف من الذّنوب مع استحالة وقوعها منه‏.‏

ب - العصمة المقوّمة وهي‏:‏ الّتي يثبت بها للإنسان وماله قيمة، بحيث يجب القصاص، أو الدّية، أو الضّمان على من هتكها‏.‏

ج - والعصمة المؤثّمة وهي‏:‏ الّتي يأثم هاتكها‏.‏

3 - فالعصمة بالمعنى الأوّل لا تثبت إلاّ للأنبياء، والملائكة، وهي‏:‏ ملكة يودعها اللّه فيهم تعصمهم من الوقوع في المحرّمات والمكروهات، وخلاف الأولى، قال تعالى في حقّ الملائكة‏:‏ ‏{‏لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ‏}‏‏.‏

والأنبياء محفوظون بعد النّبوّة من الذّنوب الظّاهرة كالكذب ونحوه، والذّنوب الباطنة، كالحسد والكبر والرّياء والسّمعة وغير ذلك، لأنّه ثبت أنّ الرّسول هو المثل الأعلى الّذي يجب الاقتداء به في اعتقاداته وأفعاله وأخلاقه، إذ هو الأسوة الحسنة بشهادة اللّه له، إلاّ ما كان من خصائصه بالنّصّ، فوجب أن تكون كلّ اعتقاداته وأفعاله وأقواله وأخلاقه الاختياريّة بعد الرّسالة موافقةً لطاعة اللّه تعالى، ووجب أن لا يدخل في شيء من اعتقاداته وأفعاله وأقواله وأخلاقه معصية للّه تعالى، لأنّ اللّه جلّ شأنه‏:‏ أمر الأمم بالاقتداء برسلهم فقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ‏}‏‏.‏

وقال في حقّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ‏}‏ فإذا جاز أن يفعل الرّسل بعد الرّسالة والأمر بالاقتداء بهم المحرّمات أو المكروهات أو خلاف الأولى، لكنّا مأمورين به، وهو سبحانه لا يأمر بمحرّم ولا مكروه ولا خلاف الأولى، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء ‏}‏، وبذلك يثبت أنّ الرّسل عليهم الصلاة والسلام بعد نبوّتهم وبعد الأمر بالاقتداء بهم معصومون عن الوقوع في المعاصي وهذا ما يسمّى‏:‏ ‏"‏ عصمة الرّسل ‏"‏‏.‏

أمّا عصمتهم قبل النّبوّة فقد اختلف فيها، فمنعها قوم، وجوّزها آخرون، والصّحيح تنزيههم من كلّ عيب، لأنّ النّبيّ قبل اصطفائه بالنّبوّة على وجهين‏:‏

فهو إمّا أن يكون لم يكلّف بعد مطلقاً بشرع ما، فالعصمة في حقّه غير واردة، لأنّ المعاصي والمخالفات إنّما تتصوّر بعد ورود الشّرع والتّكليف به، والمفروض أنّه لم يكلّف، فلا مجال لبحث المعصية أو عدمها، لأنّ الذّمّة خالية من التّكليف، لكنّ علوّ فطرة الرّسول وصفاء نفسه وسموّ روحه تقتضي أن يكون أنموذجاً رفيعاً بين قومه، في أخلاقه ومعاملاته وأمانته، وفي بعده عن ارتكاب القبائح الّتي تنفر عنها العقول السّليمة، والطّبائع المستقيمة‏.‏

وإمّا أن يكون قبل اصطفائه قد كلّف بشرع رسول سابق، كلوط عليه السلام حيث كان تابعاً قبل نبوّته لإبراهيم عليه السلام، وكأنبياء بني إسرائيل من بعد موسى قبل أن يوحى إليهم بالنّبوّة، ففي هذه الحالة لم يثبت في عصمتهم في هذه الفترة دليل قاطع، ولكنّ سيرة الأنبياء الّتي أثرت عنهم قبل نبوّتهم تشهد بأنّهم كانوا من أبعد النّاس عن المعاصي‏:‏ كبائرها وصغائرها‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نبيّ‏)‏‏.‏

4 - والعصمة بالمعنى الثّاني‏:‏ وهي الّتي يثبت للإنسان وماله بها قيمة، بحيث يجب القصاص أو الدّية على من هتكها، فهذه تثبت للإنسان بالنّطق بالشّهادتين فمن نطق بهما عصم دمه وماله لقولـه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فإذا قالوا لا إله إلاّ اللّه عصموا منّي دماءهم وأموالهم « وقوله‏:‏ » كلّ المسلم على المسلم حرام‏:‏ دمه وماله وعرضه «‏.‏

فمن قتل مسلماً معصوم الدّم يضمن بالقود أو الدّية‏.‏

ر‏:‏ مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص، وديات ف 11 وما بعدها‏)‏‏.‏

ومن أخذ ماله أو أتلفه ضمن، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ‏}‏‏.‏

ر‏:‏ مصطلح‏:‏ ‏(‏ضمان ف 7 وما بعدها ومصطلح‏:‏ غصب‏)‏‏.‏

وتثبت هذه العصمة أيضاً بأمان يحقن دمه بعقد ذمّة، أو عهد أو مجرّد أمان، ولو في آحاد المسلمين، جاء في الأثر‏:‏ » ألا من ظلم معاهداً أو انتقضه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة «‏.‏

فلأهل العهد أن يؤمّنوا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وعلى الإمام حمايتهم من كلّ من أراد بهم سوءاً من المسلمين، وغيرهم، فلا يظلمون في عهدهم ولا يؤذون والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أهل الذّمّة ف 19 وما بعدها‏)‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏عهد‏)‏‏.‏

5 - والعصمة بالمعنى الثّالث‏:‏ وهي العصمة المؤثّمة‏:‏ وهي الّتي يأثم من هتكها ولا يجب عليه قصاص ولا دية ولا ضمان، كقتل من منعنا من قتله من أطفال الحربيّين ونسائهم، وقتل القريب المشرك، فيأثم قاتله، ولكن لا قصاص عليه ولا دية، بل عليه التّوبة، والاستغفار‏.‏

العصمة في النّكاح

6 - العصمة وإن كانت في الأصل بمعنى المنع والحفظ، إلاّ أنّها تطلق مجازاً على النّكاح، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ‏}‏‏.‏

قال المفسّرون‏:‏ المراد بالعصمة هنا النّكاح، وقالوا‏:‏ والمعنى لا تتمسّكوا بزوجاتكم الكافرات فليس بينكم وبينهنّ عصمة ولا علاقة زوجيّة، وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ من كانت له امرأة كافرة بمكّة فلا تعدّ من نسائه، لأنّ اختلاف الدّارين قطع عصمتها منه فلا يمنع نكاح خامسة، ولا نكاح أختها‏.‏

انحلال عصمة النّكاح وحلّه

7 - تنحلّ عصمة النّكاح بفسخ أو طلاق، أمّا الفسخ فيكون لأسباب، كالرّدّة، والعيب ونحوهما‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏ردّة ف 44، وعيب وفسخ‏)‏‏.‏

وأمّا الطّلاق فالأصل أنّ الزّوج هو الّذي يملك حلّ عقدة النّكاح، لأنّ الرّجل هو الّذي أسند إليه إيقاع الطّلاق في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ‏}‏‏.‏

ولحديث‏:‏ » إنّما الطّلاق لمن أخذ بالسّاق «‏.‏

لكنّ الزّوجة - استثناء من هذا الأصل - قد تملك حلّ عقدة النّكاح وذلك في‏:‏

أ - تفويض الزّوج زوجته في التّطليق‏:‏

8 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز أن يفوّض الرّجل امرأته في تطليق نفسها منه، فيكون لها حقّ التّطليق، أي حلّ عقدة النّكاح وإنهاء العصمة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تفويض ف 9 - 13‏)‏‏.‏

ب - اشتراط الزّوجة أن تكون العصمة بيدها‏:‏

9 - نصّ فقهاء الحنفيّة على أنّ الرّجل إذا نكح المرأة على أنّ أمرها بيدها صحّ إذا ابتدأت المرأة فقالت زوّجت نفسي منك على أنّ أمري بيدي أطلّق نفسي كلّما شئت، فقال الزّوج‏:‏ قبلت، جاز النّكاح ويكون أمرها بيدها، أمّا لو بدأ الزّوج فقال تزوّجتك على أنّ أمرك بيدك فإنّه يصحّ النّكاح ولا يكون أمرها بيدها، لأنّ التّفويض وقع قبل الزّواج ولم يعلّق عليه توقّع التّفويض قبل أن يملك الطّلاق‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو شرطت المرأة عند النّكاح أنّ أمرها بيدها متى أحبّت فسخ النّكاح قبل الدّخول وثبت بعده بصداق المثل وألغي الشّرط فلا يعمل به، لأنّه شرط مخلّ‏.‏

عَضّ

التّعريف

1 - العضّ في اللّغة‏:‏ الشّدّ على الشّيء بالأسنان، والإمساك به‏.‏

تقول عضضت اللّقمة، وعضضت بها، وعليها عضّاً‏:‏ إذا أمسكتها بالأسنان، كذلك عضّ الفرس على لجامه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ‏}‏‏.‏

وفي الحديث قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي عضّوا عليها « أي الزموها واستمسكوا بها‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذه الكلمة عن هذا المعنى‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - لو عضّ إنسان آخر بغير حقّ وحصل منه جرح يضمن العاضّ أرش جرح المجنيّ عليه، والضّمان يكون حكومة عدل، يقدّرها أهل الخبرة، كما هي القاعدة في الجروح الّتي لا يكون فيها أرش مقدّر‏.‏

3 - واختلف الفقهاء فيما إذا عضّ فسلّ المعضوض يده فقلع المعضوض أسنان العاضّ هل فيه ضمان أم لا ‏؟‏

فذهب جمهور الفقهاء – الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، وهو رواية عن المالكيّة – إلى أنّه لو عضّ رجل يد آخر فله جذبها من فيه، فإن جذبها فوقعت ثنايا العاضّ فلا ضمان فيها، لما روى يعلى بن أميّة قال‏:‏ كان لي أجير، فقاتل إنساناً، فعضّ أحدهما يد الآخر، قال‏:‏ فانتزع المعضوض يده من في العاضّ فانتزع إحدى ثنيّتيه، فأتيا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيّته، قال‏:‏ عطاء‏:‏ وحسبت أنّه قال‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أفيدع يده في فيك تقضمها كأنّها في في فحل يقضمها ‏؟‏ «، وفي رواية النّسائيّ‏:‏ فانتزع يده من فيه فنذرت ثنيّته، فاختصما إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ » يعضّ أحدكم أخاه كما يعضّ الفحل ‏؟‏ لا دية له «‏.‏

ويستدلّ ابن قدامة لعدم الضّمان بأنّه عضو تلف ضرورة دفع شرّ صاحبه فلم يضمن، كما لو صال عليه فلم يمكنه دفعه إلاّ بقطع عضوه‏.‏

وقيّد الشّافعيّة عدم الضّمان بما إذا أخذ المعضوض في التّخلّص بالأسهل فالأسهل، كما هي القاعدة في دفع الصّائل، حيث قالوا‏:‏ لو عضّت يده أو غيرها خلّصها بالأسهل من فكّ لحييه أو ضرب شدقيه، فإن عجز عن الأسهل فسلّها فسقطت أسنانه فهدر‏.‏

قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ فلو عدل عن الأخفّ مع إمكانه ضمن، وهو قول الجمهور، قال الأذرعيّ‏:‏ وإطلاق الكثيرين يفهم أنّه لو سلّ يده ابتداءً فسقطت أسنانه كانت مهدرةً، وهو ظاهر الحديث ا‏.‏ هـ‏.‏

ولو تنازعا في إمكان الدّفع بأيسر ممّا دفع به صدّق المعضوض بيمينه، كما نقله الرّمليّ عن الأذرعيّ‏.‏

والمشهور عند المالكيّة أنّه إذا عضّه فسلّ المعضوض يده فقلع المعضوض أسنان العاضّ فعليه الضّمان‏.‏

عَضْل

التّعريف

1 - العضل في اللّغة من‏:‏ عضل الرّجل حرمته عضلاً - من بابي قتل وضرب - منعها التّزويج، وعضل المرأة عن الزّوج‏:‏ حبسها، وعضل بهم المكان‏:‏ ضاق، وأعضل الأمر‏:‏ اشتدّ، ومنه‏:‏ داء عضال أي شديد‏.‏

وقد استعمل الفقهاء العضل في النّكاح بمعنى منع التّزويج، قال ابن قدامة‏:‏ معنى العضل‏:‏ منع المرأة من التّزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كلّ واحد منهما في صاحبه‏.‏

وكذلك استعملوا العضل في الخلع بمعنى‏:‏ الإضرار بالزّوجة‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ إن عضل زوجته، وضارّها بالضّرب والتّضييق عليها، أو منعها حقوقها من النّفقة والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - الأصل أنّ عضل الوليّ من له ولاية تزويجها من كفئها حرام، لأنّه ظلم، وإضرار بالمرأة في منعها حقّها في التّزويج بمن ترضاه، وذلك لنهي اللّه سبحانه وتعالى عنه في قوله مخاطباً الأولياء‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ‏}‏‏.‏

كما أنّ عضل الزّوج زوجته، بمضارّتها وسوء عشرتها والتّضييق عليها حتّى تفتدي منه بما أعطاها من مهر حرام، لأنّه ظلم لها بمنعها حقّها من حسن العشرة ومن النّفقة، وقد نهى اللّه سبحانه وتعالى الأزواج عن ذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ‏}‏‏.‏

3 - ويباح عضل الوليّ إذا كان لمصلحة المرأة، كأن تطلب النّكاح من غير كفء، فيمتنع عن تزويجها لمصلحتها‏.‏

كما يباح من الزّوج، بالتّضييق على زوجته حتّى تفتدي منه بما أعطاها من مهر، وذلك في حالة إتيانها الفاحشة، للنّصّ على ذلك في الاستثناء الوارد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ‏}‏‏.‏

متى يعتبر العضل‏؟‏

4 – ذكر الفقهاء العضل في موضعين‏:‏

أحدهما‏:‏ عضل الزّوج زوجته، وذلك يتحقّق بمضارّتها وسوء عشرتها قاصداً أن تفتدي منه بما أعطاها من مهر، وما يأخذه منها في هذه الحالة لا يستحقّه، لأنّه عوض أكرهت على بذله بغير حقّ، فلم يستحقّه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏خلع ف 10‏)‏‏.‏

الثّاني‏:‏ عضل الوليّ، وقد اتّفق الفقهاء على أنّه إذا دعت المرأة إلى الزّواج من كفء، أو خطبها كفء، وامتنع الوليّ من تزويجه دون سبب مقبول، فإنّه يكون عاضلاً، لأنّ الواجب عليه تزويجها من كفء، وسواء طلبت التّزويج بمهر مثلها أو دونه، كما يقول الشّافعيّة والحنابلة، لأنّ المهر محض حقّها وعوض يختصّ بها، فلم يكن للوليّ الاعتراض عليه، ولأنّها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كلّه، فبعضه أولى، وعند الحنفيّة‏:‏ الامتناع عن التّزويج بمهر المثل لا يعتبر عضلاً‏.‏

ولا يعتبر الوليّ عاضلاً إذا امتنع من تزويجها من غير كفء‏.‏

لكن قال المالكيّة‏:‏ إنّ الأب المجبر لا يعتبر عاضلاً بردّ الخاطب، ولو تكرّر ذلك، لما جبل الأب عليه من الحنان والشّفقة على ابنته، ولجهلها بمصالح نفسها، إلاّ إذا تحقّق أنّه قصد الإضرار بها‏.‏

ولو دعت المرأة لكفء وأراد الوليّ تزويجها من كفء غيره، فعند المالكيّة وهو قول الشّافعيّة في الأصحّ‏:‏ كفء الوليّ أولى إذا كان الوليّ مجبراً، لأنّه أكمل نظراً منها، فإن لم يكن الوليّ مجبراً فالمعتبر من عيّنته‏.‏

وعند الحنابلة وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة‏:‏ يلزم الوليّ إجابتها إلى كفئها إعفافاً لها، فإن امتنع الوليّ عن تزويجها من الّذي أرادته كان عاضلاً، وهو رأي للحنفيّة استظهره في البحر، كما قال ابن عابدين‏.‏

أثر العضل

5- ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا تحقّق العضل من الوليّ وثبت ذلك عند الحاكم، أمره الحاكم بتزويجها إن لم يكن العضل بسبب مقبول، فإن امتنع انتقلت الولاية إلى غيره‏.‏

لكنّ الفقهاء اختلفوا فيمن تنتقل إليه الولاية، فعند الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة - عدا ابن القاسم - وفي رواية عن أحمد أنّ الولاية تنتقل إلى السّلطان لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فإن اشتجروا فالسّلطان وليّ من لا وليّ له« ‏.‏

ولأنّ الوليّ قد امتنع ظلماً من حقّ توجّه عليه فيقوم السّلطان مقامه لإزالة الظّلم، كما لو كان عليه دين وامتنع عن قضائه‏.‏

وروي ذلك عن عثمان بن عفّان رضي الله تعالى عنه وشريح، لكنّ ذلك مقيّد عند الشّافعيّة بما إذا كان العضل دون ثلاث مرّات‏.‏

والمذهب عند الحنابلة أنّه إذا عضل الوليّ الأقرب انتقلت الولاية إلى الوليّ الأبعد، نصّ عليه أحمد، لأنّه تعذّر التّزويج من جهة الأقرب فملكه الأبعد كما لو جنّ، ولأنّه يفسق بالعضل فتنتقل الولاية عنه، فإن عضل الأولياء كلّهم زوّج الحاكم، وأمّا قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » السّلطان وليّ من لا وليّ له « فيحمل على ما إذا عضل الكلّ، لأنّ قوله‏:‏ » فإن اشتجروا‏.‏‏.‏‏.‏ « ضمير جَمْع يتناول الكلّ‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا تكرّر العضل من الوليّ الأقرب، فإن كان ثلاث مرّات انتقلت الولاية للوليّ الأبعد، بناءً على منع ولاية الفاسق، لأنّه يفسق بتكرّر العضل منه‏.‏

وقال ابن عبد السّلام من المالكيّة‏:‏ إنّما يزوّجها الحاكم عند عدم الوليّ غير العاضل، وأمّا عند وجوده فينتقل الحقّ للأبعد، لأنّ عضل الأقرب واستمراره على الامتناع صيّره بمنزلة العدم، فينتقل الحقّ للأبعد، وأمّا الحاكم فلا يظهر كونه وكيلاً له إلاّ إذا لم يظهر منه امتناع، كما لو كان غائباً‏.‏

عُضْو

التّعريف

1 - العضو بالضّمّ والكسر، في اللّغة‏:‏ كلّ عظم وافر بلحم، سواء أكان من إنسان أم حيوان‏.‏

وأصل الكلمة بمعنى القطع والتّفريق‏.‏

يقال‏:‏ عضّى الشّيء‏:‏ فرّقه ووزّعه‏.‏

والعضّة‏:‏ القطعة والفرقة‏.‏

وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ‏}‏ أي‏:‏ أجزاءً متفرّقةً، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض‏.‏ ويطلق العضو على جزء متميّز من مجموع الجسد، سواء أكان من إنسان أم حيوان كاليد والرّجل والأذن‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الطّرف‏:‏

2 - الطّرف‏:‏ النّاحية والطّائفة من الشّيء، وطرف كلّ شيء منتهاه وغايته وجانبه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ‏}‏ والجمع أطراف، ويطلق على واحد من أطراف البدن‏.‏

فعلى هذا المعنى الأخير الطّرف أخصّ من العضو‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالعضو

3 - عضو الآدميّ له أحكام فقهيّة مختلفة، كوجوب طهارته في الوضوء والغسل والتّيمّم، والمسح عليه ونحوها، وكوجوب القصاص أو الدّية في الجناية عليه، وقطعه في السّرقة، وحكم غسله والصّلاة عليه ودفنه إذا وجد مباناً في المعركة وغيرها‏.‏

وتفصيل هذه الأحكام فيما يلي‏:‏

أ - الطّهارة على العضو المقطوع‏:‏

4 - من فرائض الوضوء غسل أعضاء الوضوء إذا كانت قائمةً وسليمةً، أمّا إذا كانت مقطوعةً، ففي المسألة تفصيل‏:‏

فلو قطع بعض يد المتوضّئ أو رجله وجب غسل باقيها إلى المرفق أو الكعب، لبقاء جزء من محلّ العضو المفروض غسله، فكلّ عضو سقط بعضه يتعلّق الحكم بباقيه غسلاً ومسحاً‏.‏

أمّا إذا قطعتا من فوق المرفق أو الكعب سقط الغسل، ولا يجب غسل باقي عضده، لأنّه ليس محلّ الفرض‏.‏

لكنّ الشّافعيّة قالوا‏:‏ ندب غسل باقي عضده لئلاّ يخلو العضو عن طهارة‏.‏

أمّا إذا قطعت من المرفق، بأن سلّ عظم الذّراع وبقي العظمان المسمّيان برأس العضد، فيجب غسل رأس عظم العضد على المشهور عند الشّافعيّة، وهو المذهب عند الحنابلة، لأنّ غسل العظمين المتلاقيين من الذّراع والعضد واجب، فإذا زال أحدهما غسل الآخر‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ لا يغسل أقطع المرفقين موضع القطع، إذ قد أتى عليهما القطع، بخلاف أقطع الرّجلين، قال الحطّاب في وجه التّفرقة نقلاً عن ابن القاسم‏:‏ الكعبان اللّذان إليهما حدّ الوضوء هما اللّذان في السّاقين فيغسلان، أمّا المرفق فهو من الذّراعين وقد أتى عليه القطع فلا يغسل‏.‏

ب - الطّهارة على العضو الزّائد في الغسل‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على أنّ من خلق له عضو زائد، كإصبع زائدة أو يد زائدة، في محلّ الفرض وجب غسلها مع الأصليّة، لأنّها نابتة فيه، فتأخذ حكمه‏.‏

واختلفوا فيما إذا نبتت الزّائدة في غير محلّ الفرض، كالإصبع أو الكفّ على العضو أو المنكب، فقال الحنفيّة والشّافعيّة، وهو قول القاضي من الحنابلة‏:‏ إنّ ما حاذى منها محلّ الفرض وجب غسله، وإلاّ فلا يجب‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو خلقت له كفّ بمنكب، ولم يكن له يد غيرها يجب غسلها، فإن كان له يد سواها فلا يجب غسل الكفّ إلاّ إذا نبتت في محلّ الفرض، أو في غيره وكان لها مرفق، فتغسل للمرفق، لأنّ لها حكم اليد الأصليّة فإن لم يكن لها مرفق فلا غسل ما لم تصل لمحلّ الفرض‏.‏

والأصحّ عند الحنابلة‏:‏ أنّ العضو الزّائد إذا كان في غير محلّ الفرض، كالعضد أو المنكب لم يجب غسله، سواء أكان قصيراً أم طويلاً، لأنّه في غير محلّ الفرض فأشبه شعر الرّأس إذا نزل على الوجه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

ج - العضو المبان‏:‏

6 - العضو المبان‏:‏ إمّا أن يكون من الإنسان أو يكون من الحيوان، وفي كلتا الحالتين‏:‏ إمّا أن يكون من الحيّ أو من الميّت‏.‏

وقد ذكر الفقهاء أحكام كلّ حالة في مواضع مختلفة فيما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ العضو المبان من الإنسان الحيّ‏:‏

ذهب الفقهاء إلى أنّ العضو المبان من الإنسان الحيّ يدفن بغير غسل وصلاة ولو كان ظفراً أو شعراً‏.‏

ثانياً‏:‏ العضو المبان من الإنسان الميّت‏:‏

يرى جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة، وهو قول عند الحنابلة - أنّه إذا وجد رأس الميّت أو أحد شقّيه أو أعضائه الأخرى وكانت أقلّ من نصفه فإنّها لا تغسّل ولا يصلّى عليها، قال الدّردير في تعليله‏:‏ لأنّ شرط الغسل وجود الميّت، فإن وجد بعضه فالحكم للغالب، ولا حكم لليسير‏.‏

أمّا إذا وجد أكثر من نصفه ولو بلا رأس، فإنّه يغسّل ويصلّى عليه عند الحنفيّة، اعتباراً للغالب‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا غسل دون الجلّ، يعني دون ثلثي الجسد، فإذا وجد نصف الجسد أو أكثر منه ودون الثّلثين مع الرّأس لم يغسّل على المعتمد‏.‏

وذهب الشّافعيّة، وهو المذهب عند الحنابلة، إلى أنّه لو وجد عضو مسلم علم موته بغير شهادة، ولو كان ظفراً أو شعراً صلّي عليه بقصد الجملة، وذلك وجوباً بعد غسله، كما ورد عند الشّافعيّة، وقال ابن قدامة‏:‏ قال أحمد‏:‏ صلّى أبو أيّوب على رجل، وصلّى عمر على عظام بالشّام، وصلّى أبو عبيدة على رءوس بالشّام، ولأنّه بعض من جملة تجب الصّلاة عليها، فيصلّى عليه كالأكثر‏.‏

ثالثاً‏:‏ العضو المبان من الحيوان‏:‏

لا خلاف بين الفقهاء في أنّ العضو المبان من الحيوان الحيّ مأكول اللّحم - غير السّمك والجراد - قبل ذبحه يعتبر ميتةً لا يحلّ أكله، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهي ميتة «‏.‏

وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ‏}‏‏.‏

أمّا ما أبين من السّمك والجراد فيحلّ أكله، وذلك لأنّ ميتة السّمك والجراد يحلّ أكلها‏.‏

فقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أحلّت لنا ميتتان ودمان أمّا الميتتان‏:‏ فالجراد والحوت، وأمّا الدّمان فالطّحال والكبد «‏.‏

أمّا العضو المبان من الحيوان غير مأكول اللّحم أو من الميتة فهو حرام بلا خلاف‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمة، وصيد‏)‏‏.‏

الجناية على عضو الآدميّ

7 - اتّفق الفقهاء على أنّ الجناية على عضو من أعضاء الآدميّ عمداً فيها القصاص إذا أمكن التّماثل، بأن كان القطع من المفصل مثلاً‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

أمّا إذا كانت الجناية على عضو من أعضائه خطأً أو شبه عمد أو سقط القصاص بالشّبهة أو نحوها ففيها الدّية‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏ديات ف 34 وما بعدها‏)‏‏.‏

أمّا إذا جرح عضو من أعضاء الإنسان عمداً أو خطأً ولم يمكن القصاص فيجب الأرش‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حكومة عدل ف 4 وما بعدها، وأرش ف 4، وديات ف 34‏)‏‏.‏

عَطَاء

التّعريف

1 - العطاء - يمدّ ويقصر - مأخوذ من العطو‏:‏ وهو التّناول، يقال‏:‏ عطوت الشّيء، أعطو‏:‏ تناولته، وفي الأثر‏:‏ » أربى الرّبا عطو الرّجل عرض أخيه بغير حقّ « أي‏:‏ تناوله بالذّمّ ونحوه، وهو في اللّغة‏:‏ اسم لما يعطى به، والجمع عطايا، وأعطية‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ اسم لما يفرضه الإمام في بيت المال للمستحقّين‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الرّزق‏:‏

2 - الرِّزق‏:‏ وهو بالكسر مأخوذ من رَزق بالفتح، وهو لغةً‏:‏ ما ينتفع به، والجمع أرزاق‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ العطاء، ويشمل ما يفرضه الإمام في بيت المال للمستحقّين، وغيره من التّبرّعات كالوقف والهبة وصدقة التّطوّع وغير ذلك ممّا يدفع بلا مقابل‏.‏

قال الرّاغب‏:‏ يقال للعطاء الجاري‏:‏ رزق دينيّاً كان أم دنيويّاً، وللنّصيب، ولما يصل إلى الجوف ويتغذّى به‏.‏

وفرّق الحنفيّة بين العطاء والرّزق‏:‏ فقالوا‏:‏ الرّزق، ما يفرض للرّجل في بيت المال بقدر الحاجة والكفاية، مشاهرةً أو مياومةً، والعطاء‏:‏ ما يفرض للرّجل في كلّ سنة لا بقدر الحاجة بل بصبره وعنائه في أمر الدّين، وفي قول لهم‏:‏ العطاء‏:‏ ما يفرض للمقاتل، والرّزق‏:‏ ما يجعل لفقراء المسلمين في بيت المال وإن لم يكونوا مقاتلين‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعطاء

أوّلاً‏:‏ العطاء من بيت المال

يصرف العطاء من بيت المال لأصناف‏:‏

أ - عطاء الجند‏:‏

ذكر الماورديّ وأبو يعلى أنّ الإثبات في الدّيوان معتبر بثلاثة شروط‏:‏

3 - الأوّل‏:‏ الوصف الّذي يجوز به الإثبات في الدّيوان، ويراعى فيه خمسة أوصاف‏:‏ الوصف الأوّل‏:‏ البلوغ، لأنّ الصّبيّ من جملة الذّراريّ والأتباع فلم يجز إثباته في ديوان الجيش ويجري في عطاء الذّراريّ‏.‏

الوصف الثّاني‏:‏ الحرّيّة، لأنّ المملوك لسيّده، فكان داخلاً في عطائه‏.‏

وهو ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه، وما أخذ به الشّافعيّ، وظاهر كلام أحمد في رواية المرّوذيّ، وذكر حديث عمر قال‏:‏ ما من المسلمين أحد إلاّ وله في هذا المال نصيب إلاّ عبداً مملوكاً‏.‏

وأسقط أبو حنيفة اعتبار الحرّيّة، وجوّز إفراد العبيد بالعطاء في ديوان المقاتلة، وهو رأي أبي بكر رضي الله تعالى عنه‏.‏

الوصف الثّالث‏:‏ الإسلام، ليدفع عن الملّة باعتقاده، ويوثق بنصحه واجتهاده فإن أثبت ذمّيّ لم يجز، وإن ارتدّ مسلم سقط‏.‏

وهذا قياس قول أحمد، لأنّه منع أن يستعان بالكفّار في الجهاد‏.‏

الوصف الرّابع‏:‏ السّلامة من الآفات المانعة من القتال، فلا يجوز أن يكون زمناً ولا أعمى ولا أقطع، ويجوز أن يكون أخرس أو أصمّ، فأمّا الأعرج فإن كان فارساً أثبت، وإن كان راجلاً لم يثبت‏.‏

الوصف الخامس‏:‏ أن يكون فيه إقدام على الحرب ومعرفة بالقتال، فإن ضعفت قوّته عن الإقدام أو قلّت معرفته بالقتال لم يجز إثباته، لأنّه مرصد لما هو عاجز عنه‏.‏

فإذا تكاملت هذه، الأوصاف في شخص كان إثباته في ديوان الجيش موقوفاً على الطّلب والإيجاب، الطّلب منه إذا تجرّد عن كلّ عمل، والإيجاب من وليّ الأمر إذا دعت الحاجة‏.‏ وإذا أثبت في الدّيوان مشهور الاسم نبيه القدر لم يحسن أن يحلّى فيه أو ينعت، فإن كان من المغمورين في النّاس حلّي ونعت، لئلاّ تتّفق الأسماء أو يدعى وقت العطاء، وضمّ إلى نقيب عليه أو عريف له ليكون مأخوذاً بدركه‏.‏

الثّاني‏:‏ السّبب الّذي يعتبر في التّرتيب‏:‏

4 - إذا أثبت المستحقّون في ديوان الجيش اعتبر في ترتيبهم وجهان‏:‏

أحدهما عامّ، والآخر خاصّ‏.‏

فأمّا العامّ‏:‏ فهو ترتيب القبائل والأجناس حتّى تتميّز كلّ قبيلة عن غيرها وعلى جنس عمّن خالفه، لتكون دعوة الدّيوان على نسق واحد معروف بالنّسب يزول به التّنازع والتّجاذب، فإن كانوا عرباً ترتّبت قبائلهم بالقربى من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه حين دوّنهم، فيكون بنو هاشم قطب التّرتيب، ثمّ من يليهم من أقرب الأنساب إليهم من قريش، ثمّ الأنصار، ثمّ سائر العرب ثمّ العجم، وإن كانوا عجماً لا يجتمعون على نسب فالّذي يجمعهم عند فقد النّسب أمران‏:‏ إمّا أجناس، وإمّا بلاد، فإذا تميّزوا بأحدهما وكان لهم سابقة في الإسلام ترتّبوا عليها في الدّيوان، وإن لم تكن لهم سابقة ترتّبوا بالقرب من وليّ الأمر، فإن تساووا فبالسّبق إلى طاعته‏.‏

وأمّا التّرتيب الخاصّ‏:‏ فهو ترتيب الواحد بعد الواحد، فيرتّب كلّ منهم بالسّابقة في الإسلام، فإن تكافئوا فبالدّين، فإن تقاربوا فيه فبالسّنّ، فإن تقاربوا فيه فبالشّجاعة، فإن تقاربوا فيها فوليّ الأمر بالخيار بين أن يرتّبهم بالقرعة أو يرتّبهم على رأيه واجتهاده‏.‏

الثّالث‏:‏ الحال الّذي يقدّر به العطاء‏:‏

5- تقدير العطاء لمن يثبت في ديوان الجند معتبر بالكفاية حتّى يستغني بها عن التماس مادّة تقطعه عن حماية البيضة‏.‏

والكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ عدد من يعولهم من الذّراريّ والزّوجات والخدم وغيرهم، فيزاد ذو الولد والزّوجات من أجل ولده وزوجاته، ويزاد من له خدم لمصلحة الحرب أو للخدمة بما يليق بمثله حسب مؤنتهم في كفايته، ويراعى حاله في مروءته وعادة البلد في المطعوم والمؤنة‏.‏

الثّاني‏:‏ عدد ما يرتبطه من الخيل والظّهر، فيزاد ذو الفرس من أجل فرسه وكذلك ذو الظّهر‏.‏

الثّالث‏:‏ الموضع الّذي يحلّه في الغلاء والرّخص، لأنّ الغرض الكفاية‏.‏

وبمراعاة هذه الأمور الثّلاثة المعتبرة في بيان الكفاية تقدّر النّفقة، فيكون ما يقدّر في عطائه، ثمّ يعرض حاله، فإن زادت رواتبه الماسّة زيد، وإن نقصت نقص‏.‏

6- وإذا اتّفق مثبتون في ديوان الجند في هذه الوجوه الثّلاثة وتفاوتوا في غيرها كالسّبق إلى الإسلام والغناء فيه وغير ذلك من الخصال، فقد اختلف الفقهاء في جواز التّفضيل بسبب هذا التّفاوت، تبعاً لاختلاف الصّحابة رضوان اللّه تعالى عليهم في ذلك‏:‏

فقد كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يرى التّسوية في العطاء ولا يرى التّفضيل بالسّابقة، وكذلك كان رأي عليّ رضي الله تعالى عنه في خلافته، وبه أخذ مالك والشّافعيّ، وصرّح الشّيخ زكريّا الأنصاريّ بأنّه لا يزاد أحد منهم - أي من المرتزقة - لنسب عريق أو سبق الإسلام والهجرة وسائر الخصال المرضيّة وإن اتّسع المال، بل يستوون كالإرث والغنيمة، لأنّهم يعطون بسبب ترصّدهم للجهاد وكلّهم مترصّدون له‏.‏

وكان رأي عمر رضي الله تعالى عنه التّفضيل بالسّابقة في الإسلام، وكذلك كان رأي عثمان رضي الله تعالى عنه بعده، وبه أخذ أبو حنيفة وأحمد‏.‏

وقد ناظر عمر أبا بكر - رضي الله تعالى عنهما - حين سوّى بين النّاس فقال‏:‏ أتسوّي بين من هاجر الهجرتين وصلّى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح خوف السّيف ‏؟‏ فقال له أبو بكر‏:‏ إنّما عملوا للّه، وإنّما أجورهم على اللّه، وإنّما الدّنيا دار بلاغ للرّاكب، فقال له عمر‏:‏ لا أجعل من قاتل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه‏.‏

ولمّا وضع عمر رضي الله تعالى عنه الدّيوان فضّل بالسّابقة، ففرض لكلّ واحد ممّن شهد بدراً من المهاجرين الأوّلين خمسة آلاف درهم في كلّ سنة، ولنفسه معهم، وألحق بهم العبّاس والحسن والحسين رضوان اللّه تعالى عليهم لمكانهم من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وفرض لكلّ من شهد بدراً من الأنصار أربعة آلاف، ولم يفضّل على أهل بدر أحداً إلاّ أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفرض لمن هاجر قبل الفتح ثلاثة آلاف، ولمن أسلم بعد الفتح ألفي درهم، وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين والأنصار كفرائض مسلمي الفتح‏.‏

وفرض لعمر بن أبي سلمة المخزوميّ أربعة آلاف درهم، لأنّ أمّه أمّ سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلمّا قال له محمّد بن عبد اللّه بن جحش‏:‏ لم تفضّل عمر علينا وقد هاجر آباؤنا وشهدوا بدراً ‏؟‏ قال‏:‏ أفضّله لمكانه من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فليأت الّذي يستعتب بأمّ مثل أمّ سلمة أعتبه‏.‏

وفرض عمر رضي الله عنه لأسامة بن زيد رضي الله عنهما أربعة آلاف درهم، فقال له عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما‏:‏ فرضت لي ثلاثة آلاف درهم وفرضت لأسامة أربعة آلاف درهم وقد شهدت ما لم يشهد أسامة ‏؟‏ فقال عمر‏:‏ زدته، لأنّه كان أحبّ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منك، وكان أبوه أحبّ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أبيك‏.‏

ثمّ فرض للنّاس على منازلهم وقراءتهم للقرآن وجهادهم، وفرض لأهل اليمن وقيس بالشّام والعراق لكلّ رجل من ألفين إلى ألف إلى خمسمائة إلى ثلاثمائة‏.‏

الزّيادة على الكفاية

7 - إذا قدّر رزق من أثبت في الدّيوان بالكفاية هل يجوز أن يزاد عليها ‏؟‏

اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏

فذهب أبو حنيفة إلى جواز الزّيادة على الكفاية إذا اتّسع المال لها، وهو ظاهر كلام أحمد، لأنّه قال في رواية أبي النّضر العجليّ‏:‏ والفيء بين الغنيّ والفقير، فقد جعل للغنيّ حقّاً في الزّيادة، والغنيّ إنّما يكون فيما فضل عن حاجته‏.‏

وذهب الشّافعيّ إلى أنّ الزّيادة على الكفاية لا تجوز وإن اتّسع المال، لأنّ أموال بيت المال لا توضع إلاّ في الحقوق الَلازمة‏.‏

وقت العطاء

8 - ويكون وقت العطاء للمثبتين في ديوان الجند معلوماً يتوقّعه الجيش عند الاستحقاق، وهو معتبر بالوقت الّذي تستوفى فيه حقوق بيت المال، فإن كانت تستوفى في وقت واحد من السّنة جعل العطاء في رأس كلّ سنة، وإن كانت تستوفى في وقتين جعل العطاء في كلّ سنة مرّتين، وإن كانت تستوفى في كلّ شهر جعل العطاء في رأس كلّ شهر، ليكون المال مصروفاً إلى المستحقّين عند حصوله فلا يحبس عنهم إذا اجتمع ولا يطالبون به إذا تأخّر‏.‏ وإذا تأخّر العطاء عند استحقاقه وكان حاصلاً في بيت المال كان للمستحقّين المطالبة به كالدّيون المستحقّة‏.‏

وإن أعوز بيت المال لعوارض أبطلت حقوقه أو أخّرتها كانت أرزاقهم ديناً على بيت المال وليس لهم مطالبة وليّ الأمر به كما ليس لصاحب الدّين مطالبة من أعسر بدينه‏.‏

ما يدخل في العطاء وما لا يدخل

9 - إذا نفقت دابّة أحد المثبتين في ديوان الجند في حرب عوّض عنها، وإن نفقت في غير حرب لم يعوّض‏.‏

وإذا استهلك سلاحه فيها عوّض عنه إن لم يدخل في تقدير عطائه، ولم يعوّض إن دخل فيه‏.‏

وإذا جرّد لسفر أعطي نفقة سفره إن لم تدخل في تقدير عطائه، ولم يعط إن دخلت فيه‏.‏

إرث العطاء

10 - إذا مات أحد المستحقّين للعطاء من ديوان الجند أو قتل كان ما استحقّه من عطاء موروثاً عنه على فرائض اللّه تعالى، وهو دين لورثته في بيت المال‏.‏

وفصّل الشّيخ زكريّا الأنصاريّ القول في هذه المسألة فقال‏:‏ ومن مات منهم - أي‏:‏ المستحقّين - بعد جمع المال وتمام الحول - إن كان الصّرف مسانهةً، وفي معناه الشّهر، إن كان مشاهرةً - فنصيبه لوارثه، لأنّه حقّ لازم له فينتقل لوارثه كالدّين ولا يسقط بالإعراض عنه كالإرث، ومن مات قبل تمام الحول وبعد الجمع للمال فقسطه لوارثه كالأجرة في الإجارة، ومن مات بعد تمام الحول وقبل جمع المال فلا شيء لوارثه إذ الحقّ إنّما يثبت بجمع المال ولا شيء للوارث بالأولى إذا مات مورّثه المثبت في الدّيوان قبل تمام الحول وقبل الجمع‏.‏

ومن مات من المرتزقة دفع إلى زوجته وأولاده الصّغار قدر كفايتهم حتّى تنكح الزّوجة ويستقلّ الأولاد بالكسب‏.‏

ب - عطاء ذوي الحاجة‏:‏

11 - يفرض الإمام كذلك للأيتام، والمساكين، وابن السّبيل وكلّ من شملتهم آية‏:‏ ‏{‏مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ‏}‏ فيفرض لهم عطاءً وجوباً في بيت المال قدر كفايتهم‏.‏

ج - عطاء القائمين بالمصالح والوظائف العامّة‏:‏

12 - كلّ من كان عمله مصلحةً عامّةً للمسلمين من‏:‏ قاض، ومفت، وعالم، ومعلّم قرآن أو علم شرعيّ، ومؤذّن، وإمام، يفرض لهم العطاء في بيت المال، لئلاّ يتعطّل من ذكر بالاكتساب عن الاشتغال بهذه الأعمال والعلوم وعن تنفيذ الأحكام، وعن التّعليم والتّعلّم فيرزقون ليتفرّغوا لذلك‏.‏

وقدر المعطى إلى رأي الإمام بالمصلحة، ويختلف باختلاف ضيق المال وسعته‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيت المال ف 12، 13‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ العطاء المنجز في مرض الموت

13 - العطاء المنجز كالهبة المقبوضة، والصّدقة، والوقف، والإبراء من الدّين، والعفو عن الجناية الموجبة للمال، إذا كانت في الصّحّة فهي من رأس المال، أمّا إذا كان العطاء في المرض الّذي مات فيه فهو من الثّلث في قول جمهور الفقهاء لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ اللّه تصدّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادةً لكم في أعمالكم «‏.‏

والحديث يدلّ بمفهومه على أنّه ليس له أكثر من الثّلث، ولأنّ هذه الحال الظّاهر منها الموت، فكان عطيّةً في مرض الموت، في حقّ ورثته لا تتجاوز الثّلث كالوصيّة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

14 - وحكم العطايا في مرض الموت المخوف حكم الوصيّة في خمسة أشياء‏:‏

أحدها‏:‏ أنّه يقف نفوذها على خروجها من الثّلث، وإجازة الورثة‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّها لا تصحّ لوارث إلاّ بإجازة بقيّة الورثة‏.‏

الثّالث‏:‏ أنّ فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصّدقة في الصّحّة، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصّدقة فقال‏:‏ » أن تصّدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم قلت‏:‏ لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان «‏.‏

الرّابع‏:‏ أنّه يزاحم بها الوصايا في الثّلث‏.‏

الخامس‏:‏ أنّ خروجها من الثّلث معتبر حال الموت، لا قبله ولا بعده‏.‏

ويفارق الوصيّة في أشياء‏:‏

أحدها‏:‏ أنّها لازمة في حقّ المعطي فليس له الرّجوع فيها، وإن كثرت، لأنّ المنع عن الزّيادة من الثّلث إنّما كان لحقّ الورثة لا لحقّه، فلم يملك إجازتها ولا ردّها، وإنّما كان له الرّجوع في الوصيّة، لأنّ التّبرّع مشروط بالموت ففيما بعد الموت لم يوجد التّبرّع ولا العطيّة، بخلاف العطيّة في المرض فإنّه قد وجدت العطيّة منه والقبول والقبض من المعطى فلزمت كالوصيّة إذا قبلت بعد الموت‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ قبولها على الفور في حال حياة المعطي، وكذلك ردّها، والوصايا لا حكم لقبولها ولا ردّها إلاّ بعد الموت، لما ذكر من أنّ العطيّة تصرّف في الحال، فيعتبر شروطه وقت وجوده، والوصيّة تبرّع بعد الموت فيعتبر شروطه بعد الموت‏.‏

الثّالث‏:‏ أنّ العطيّة تفتقر إلى شروطها المشروطة لها في الصّحّة‏:‏ من العلم، وكونها لا يصحّ تعليقها على شرط وغرر في غير العتق والوصيّة بخلافه‏.‏

الرّابع‏:‏ أنّها تقدّم على الوصيّة، وهذا قول أحمد، والشّافعيّ وجمهور الفقهاء، وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر إلاّ في العتق، فإنّه حكى عنهم تقديمه، لأنّ العتق يتعلّق به حقّ اللّه تعالى ويسري وقفه، وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه، وللجمهور أنّ العطيّة لازمة في حقّ المريض فقدّمت على الوصيّة كعطيّة الصّحّة، وكما لو تساوى الحقّان‏.‏ الخامس‏:‏ أنّ الواهب إذا مات قبل القبض للهبة المنجّزة كانت الخيرة للورثة إن شاءوا قبضوا وإن شاءوا منعوا، والوصيّة تلزم بالقبول بعد الموت بغير رضاهم‏.‏

أمّا ما لزم المريض في مرضه من حقّ لا يمكنه دفعه وإسقاطه كأرش الجناية وما عاوض بثمن المثل، وما يتغابن به زيادةً من الثّلث فهو من صلب المال وكذا إن تزوّج بمهر المثل يحسب من صلب المال، لأنّه صرف ماله في حاجة في نفسه فيقدّم بذلك على وارثه، وإن اشترى أطعمةً لا يأكل منها مثله جاز وصحّ شراؤه، لأنّه صرفه في حاجته‏.‏

16 - ويعتبر في المريض الّذي هذه أحكامه في العطاء شرطان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يتّصل بمرضه الموت، ولو شفي من مرضه الّذي أعطى فيه ثمّ مات بعد ذلك فحكم عطيّته حكم عطيّة الصّحيح، لأنّه ليس بمرض الموت‏.‏

الثّاني‏:‏ أن يكون مخوفاً، وهو ما لا تمتدّ معه الحياة عادةً في الأغلب الأعمّ، فإن لم يكن مخوفاً كالصّداع اليسير ونحوه فحكم صاحبه حكم الصّحيح، لأنّه لا يخاف منه عادةً، وإن شككنا في كونه مخوفاً لم يثبت إلاّ بشهادة طبيبين عدلين، أمّا الأمراض الممتدّة كالجذام والسّلّ فإن أضنى صاحبه على فراشه فهي مخوفة، وإن لم يكن صاحب فراش بل كان يذهب ويجيء فعطاياه من جميع المال، وبه يقول الحنابلة، والحنفيّة، ومالك والأوزاعيّ وأبو ثور قالوا‏:‏ لأنّها أمراض مزمنة لا قاتلة، وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّه لا يخاف منه الموت فتحسب عطيّته من صلب المال‏.‏

ثالثاً‏:‏ عطاء الأولاد

17 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحبّ للأصل وإن علا العدل فيما يعطيه أولاده، سواء كانت تلك العطيّة هبةً أم هديّةً أم صدقةً أم وقفاً أم تبرّعاً آخر لحديث‏:‏ » اتّقوا اللّه واعدلوا بين أولادكم «‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تسوية ف 11 و 12‏)‏‏.‏